منصة باركيول.نت : رمضان سيد الشهور ، فيه بدأ نزول القرآن ، وهو شهر الطاعة والقربة والبر والإحسان ، وشهر المغفرة والرحمة والرضوان ، فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وبه عون المؤمن على أمر دينه وطلب إصلاح دنياه ، وهو موسم تكثر فيه مناسبات إجابة الدعاء .
وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على فضل رمضان وفضل الصوم فيه .
من ذلك ما يأتي : – هو سيد الشهور، وسيد الأيام يوم الجمعة « لو يعلم العباد ما في شهر رمضان لتمنى العباد أن يكون شهر رمضان سنة) . وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله الله قال يوماً وقد حضر رمضان : أتاكم رمضان شهر بركة ، يغشاكم الله فيه ، فينزل الرحمة ، ويحط الخطايا ، ويستجيب فيه الدعاء ، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ، ويباهي بكم ملائكته ، فأروا الله من أنفسكم خيراً ، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل.
إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين
الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال
الله تعالى : إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وطعامه من أجلي ، للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وفي رواية للترمذي ، قال رسول الله الله : إن ربكم يقول : « كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والصوم لي وأنا أجزي به ، والصوم جنة من النار ، والخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم ، فليقل : إني صائم، إني صائم
من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه، أي من أحيا لياليه بصلاة التراويح أو غيرها بالذكر والاستغفار وتلاوة القرآن تصديقاً بما وعده الله على ذلك من أجر ، محتسباً ومدخراً أجره عند الله تعالى لا غيره، بخلوص عمله الله، لم يشرك به غيره ، غفرت له ذنوبه غير حقوق العباد ، فتتوقف على إبراء الذمة ، أو المسامحة
المعاصي .
1 – عن سلمان رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله ﷺ في آخر يوم من شعبان ، قال : يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، شهر جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعاً ، من تقرب فيه بخصلة من الخير ، كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فريضة فيه ، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه .
وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه ، من فطر فيه صائماً ، كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء .
قالوا : يا رسول الله ، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم ؟ فقال رسول الله الله : يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة ، أو على شربة ماء ، أو مذقة (1) لبن .
وهو شهر أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له ، وأعتقه من النار .
واستكثروا فيه من أربع خصال : خصلتين ترضون بهما ربكم ، وخصلتين لا غناء بكم عنهما ، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم : فشهادة أن لا إله إلا الله ، وتستغفرونه . وأما الخصلتان اللتان لاغناء بكم عنهما : فتسألون الله الجنة ، وتعوذون به من النار
ومن سقى صائماً ، سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة.
الصوم لغة : الإمساك والكف عن الشيء ، يقال : صام عن الكلام أي أمسك عنه ، قال تعالى إخباراً عن مريم : ﴿إني نذرت للرحمن صوماً) أي صمتاً وإمساكاً عن الكلام ، وقال العرب : صام النهار : إذا وقف (۱) سير الشمس وسط النهار عند الظهيرة وشرعاً : هو الإمساك نهاراً عن المفطرات بنية من أهله من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ) . أي أن الصوم امتناع فعلي عن شهوتي البطن والفرج ، وعن كل شيء حسي يدخل الجوف من دواء ونحوه ، في زمن معين : وهو من طلوع الفجر الثاني أي الصادق إلى غروب الشمس ، من شخص معين أهل له : وهو المسلم العاقل غير الحائض والنفساء، بنية وهي عزم القلب على إيجاد الفعل جزماً بدون تردد ، لتمييز العبادة عن العادة .
وركن الصوم : الإمساك عن شهوتي البطن والفرج ، أو الإمساك عن المفطرات ، وزاد المالكية والشافعية ركناً آخر وهو النية ليلاً.
وزمن الصوم : من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، ويؤخذ في البلاد
التي يتساوى الليل والنهار فيها ، أو في حالة طول النهار أحياناً كبلغاريا بتقدير وقت الصوم بحسب أقرب البلاد منها . ودليله قوله تعالى : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) وعبر بالخيط مجازاً ، يعني بياض النهار من سواد الليل ، وهذا يحصل بطلوع الفجر . قال ابن عبد البر : في قول النبي الله : « إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم » دليل على أن الخيط الأبيض هو الصباح ، وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر ، بالإجماع .
وفوائد الصيام كثيرة من الناحيتين الروحية والمادية :
فالصوم طاعة الله تعالى ، يثاب عليها المؤمن ثواباً مفتوحاً لا حدود له ؛ لأنه الله سبحانه ، وكرم الله واسع ، وينال بها رضوان الله ، واستحقاق دخول الجنان من باب خاص أعد للصائمين يقال له « الريان ويبعد نفسه عن عذاب الله تعالى بسبب ما قد يرتكبه من معاصي ، فهو كفارة للذنوب من عام لآخر ، وبالطاعة يستقيم أمر المؤمن على الحق الذي شرعه الله عز وجل ؛ وذلك لأن الصوم يحقق التقوى التي هي امتثال الأوامر الإلهية واجتناب النواهي : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ، لعلكم تتقون).
والصوم مدرسة خلقية كبرى يتدرب فيها المؤمن على خصال كثيرة ، فهو جهاد للنفس ، ومقاومة للأهواء ونزغات الشيطان التي قد تلوح له ، ويتعود به الإنسان خلق الصبر على ما قد يُحرم منه ، وعلى الأهوال والشدائد التي قد يتعرض لها ، إذ يجد الطعام الشهي يطبخ أمامه ، والروائح تهيج عصارات معدته ، والماء
العذب البارد يترقرق في ناظريه ، فيمتنع منه ، منتظراً وقت الإذن الرباني بتناوله
والصوم يعلم الأمانة ومراقبة الله تعالى في السر والعلن؛ إذ لا رقيب على الصائم في امتناعه عن الطيبات إلا الله وحده .
والصوم يقوي الإرادة ، ويشحذ العزيمة ، ويعلم الصبر ، ويساعد على صفاء الذهن ، واتقاد الفكر ، وإلهام الآراء الثاقبة إذا تخطى الصائم مرحلة الاسترخاء ، و تناسى ما قد يطرأ له من عوارض الارتخاء والفتور أحياناً ، قال لقمان لابنه : يا بني ، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة.
والصوم يعلم النظام والانضباط؛ لأنه يجبر الصائم على تناول الطعام والشراب في وقت محدد وموعد معين . والصوم يشعر بوحدة المسلمين الحسية في المشارق والمغارب ، فهم جميعاً يصومون ويفطرون في وقت واحد ؛ لأن . واحد ، وعبادتهم موحدة . ربهم
وينمي الصوم في الإنسان عاطفة الرحمة والأخوة ، والشعور برابطة التضامن والتعاون التي تربط المسلمين فيما بينهم ، فيدفعه إحساسه بالجوع والحاجة مثلاً إلى صلة الآخرين ، والمساهمة في القضاء على غائلة الفقر والجوع والمرض ، فتتقوى أواصر الروابط الاجتماعية بين الناس ، ويتعاون الكل في معالجة الحالات المرضية في المجتمع
والصوم فعلاً يجدد حياة الإنسان بتجدد الخلايا وطرح ما شاخ منها ، وإراحة المعدة وجهاز الهضم ، وحمية الجسد ، والتخلص من الفضلات المترسبة والأطعمة غير المهضومة ، والعفونات أو الرطوبات التي تتركها الأطعمة
والأشربة ، قال النبي له : « صوموا تصحوا، وقال طبيب العرب : الحرث ابن كلدة المعدة بيت الداء ، والحمية رأس كل دواء .
والصيام جهاد للنفس ، وتخليصها مما علق بها من شوائب الدنيا وآثامها ، وكسر حدة الشهوة والأهواء، وتهذيبها وضبطها في طعامها وشرابها ، بدليل قول النبي : « يا معشر الشباب : من استطاع منكم الباءة ، فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ” وقال الكمال بن الهمام ” : الصوم ثالث أركان الإسلام بعد « لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، والصلاة ، شرعه سبحانه لفوائد أعظمها كونه موجباً أشياء :
منها : سكون النفس الأمارة ، وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج ، فإن به تضعف حركتها في محسوساتها ، ولذا قيل : إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء ، وإذا شبعت جاعت كلها .
ومنها : كونه موجباً للرحمة والعطف على المساكين ، فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ، ذكر من هذا حاله في عموم الأوقات ، فتسارع إليه الرقة عليه ، فينال بذلك ما عند الله تعالى من حسن الجزاء
ومنها : موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملون أحياناً ، وفي ذلك رفع حاله عند الله تعالى .
وقال في الإيضاح : اعلم أن الصوم من أعظم أركان الدين وأوثق قوانين الشرع المتين ، به قهر النفس الأمارة بالسوء ، وإنه مركب من أعمال القلب ،
ومن المنع عن المأكل والمشارب والمناكح عامة يومه ، وهو أجمل الخصال ، غير أنه أشق التكاليف على النفوس ) ، وقد مدحه الله بآية ( إن المسلمين والمسلمات . . . والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات.