على ضفاف المجرية، تك المدينة الهادئة في ولاية تگانت، وُلد في عام 1958م أحد أعلام الفقه والمعرفة في بلادنا، فضيلة العلامة *بابه ولد معط*، فقيه متبحر، وعالم موسوعي، نهل من ينابيع العلم في سن مبكرة حتى أصبح مرجعًا في الفقه والتفسير وأصول الدين.
تكوّن في المحاظر الموريتانية العريقة، حيث حفظ المتون وأتقن العلوم، وامتاز بذكاء وقّاد، وذاكرة قوية، وصبر على طلب العلم، مما أهّله ليكون من أبرز الوجوه العلمية في زمانه.
وُلد الفقيه الجليل والعالم الموسوعي الشيخ “بابه ولد معط” ليكون أحد أعلام الشريعة في موريتانيا، فبعد أن نهل من معين المحاظر، توّج مسيرته العلمية بالحصول على الإجازة في الشريعة الإسلامية من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية.
دخل عالم الوظيفة العمومية من بوابة التعليم، بعد تخرجه معلّمًا من مدرسة تكوين المعلمين، ليحمل مشعل المعرفة في مدن أطار وشوم، ثم في المجرية، حيث عُيِّن مديرًا للمدرسة رقم 1، فكان المعلم والمربي والموجّه.
لم تقف مسيرته عند حدود التعليم، بل شغل مناصب انتخابية مهمّة، أبرزها النائب الثاني لعمدة بلدية المجرية، ثم نائبا برلمانيا عن المقاطعة، كما تقلد عضوية رابطة علماء موريتانيا، واللجنة الوطنية المكلفة بحقوق الإنسان.
واعترافًا بكفاءته العلمية والدعوية، عُيِّن رئيسًا لرابطة علماء الدين في وسط إفريقيا لمحاربة السيدا لولايتين متتاليتين، كما شارك في نشر الدعوة الإسلامية في أوروبا، وإفريقيا، والخليج العربي، وحضر العديد من المؤتمرات الوطنية والدولية والقوافل الدعوية التي كان فيها حاملًا لرسالة الدين والتنوير.
عرفه الجمهور الموريتاني من خلال إطلالاته الرمضانية على شاشة التلفزيون وإذاعة موريتانيا، حيث كان يُعدّ برامج علمية دينية باللغة الفرنسية، يخاطب بها الناطقين بها بأسلوب رصين وعلم راسخ.
خلف وراءه إرثًا علميًا ثمينًا، من أبرز مؤلفاته التي تُرجمت أغلبها إلى اللغة الفرنسية:
1. كاشف الغوامض عن فقه وعمل حساب الفرائض
2. مفاتيح الجليل لحل تركة خليل
3. إجلاء الأضغاث لتمارين الميراث
4. الحجة الناصعة المزيلة لإشكال ما كثر من القيل والقال في إفساد الحقنة للصوم
5. الإسلام والتنظيم الأسري
6. الإسلام والتدخين
7. اختلاط الأنساب والفصيلة الدموية
8. أطفال الأنابيب الاختبارية
9. العقود عن طريق المواصلات اللاسلكية
10. نصاب العين والحبوب بمقاساتنا الحالية
ولاهتمامه الخاص بعلم الفرائض، لُقّب بـ”عالم الفرائض”، فقد تفرّد بالتأصيل والتفصيل فيه حتى صار مدرسةً قائمة بذاتها.
وفي يوم الرابع من نوفمبر سنة 2015، أُعلن عن رحيل هذا العالم الجليل، تاركًا خلفه نورًا لا ينطفئ، وميراثًا علميًا يضيء دروب الباحثين والطلاب في مختلف أنحاء الوطن.
كان الشيخ بابه ولد معط مثالًا للفقيه المتواضع، البعيد عن الأضواء، لكنه حاضر في القلوب والعقول بما قدمه من علم راسخ، وفهم دقيق، وحرص دائم على خدمة الشريعة. رحم الله شيخنا وأعلى مقامه، وجعل ما قدّمه في ميزان حسناته.
#تبصير_أخلاقي