في منطقة أفطوط وتحديدا بلدية لبحير بمقاطعة باركيول ولد الفقيه والمناضل والشاعر محمدي ولد أحمد فال سنة 1909، قضى حياته في موريتانيا والسعودية ومصر والمغرب، تلقى علومه الأولى في محظرة والده،، ثم فالتحق بمحضرة أهل محمود بن احبيب، وحفظ القرآن الكريم، ونال الإجازة. ثم اتجه إلى محظرة أهل أبات في ولاية تگانت، فدرس علوم اللغة، كما درس مختصر الخليل في الفقه المالك ثم قصد المغرب، فدرس في مدارس مدينة تارجانت، ثم درس على محمد حبيب الله بن مايابي الجكني، ثم قصد مصر، فدرس في الأزهر.عمل في عدة وظائف بالمغرب، ثم عاد إلى موريتانيا، فاشتغل بالتدريس في مدارس كيفة حتى وافاه الاجل المحتوم فيها سنة 1969 تغمده الله برحمته الواسعة، كافح محمدي من أجل التعريب وكان له دور كبير في إقرار الحكومة للتعريب، وفي سنة 1966، أعلنت الحكومة القرار، فثارت ثائرة النّخبة الزِّنجية الفرانكفونية وأعلنت 19 شخصية زِنْجية معروفة، انسحابها، ورفضها لإدخال اللغة العربية إلى المناهِج التعليمية، ووزّعوا رسالة عُرفت باسم “رسالة التِّسعة عشر”، وصفوا فيها محاولة إدخال اللغة العربية إلى المناهج التعليمية في موريتانيا بأنها محاولة لإقصاء أبنائهم من غير النّاطقين بالعربية وسعيا لإذابة الأقلية الزِّنجية في الأغلبية العربية، ومما جاء في رسالة التسعة عشر
لسانَ الضادِ ويحكَ ما الجوابُ :: لما فعل الغطارفةُ النُّوابُ
وما هذا التهاونُ والتواني ؟ :: وما هذا الهجومُ والانسحاب ؟
مغامرةٌ جنتْ بُرِمتْ بليلٍ :: أقاموها وقد سُدِل الحجاب
فما رأيُ الرئيسِ وعامليهِ ؟ :: فهل هذي مغامرةٌ صواب ؟
إذا كان الصوابُ لسانَ قومٍ : أعاجمَ لا يتمّ به الخطاب
يُرسَّم في البلاد ويصطفوه :: فذلكمُ النواب إذاً سراب
نشط محمدى في الدفاع عن استقلال موريتانيا، وساند الرئيس السابق امختار ولد داده. في ذلك
الإنتاج الشعري
– له قصائد وردت ضمن كتاب: «ثمرات الجنان في شعراء بني جاكان»، وله ديوان مخطوط.
الأعمال الأخرى:
– له مؤلف بعنوان: «معبد الناظر فيما اتفقت عليه المصادر» – مخطوط.
شعره متنوع في الأغراض المألوفة كما أنه يقول لغن الحساني، إذ نظم في الغزل والمدح والرثاء والتهاني، وكثير منه ارتبط بالمناسبات المختلفة كمدحه لرئيس الدولة الموريتانية في مناسبة زيارة له، كما نظم في مناسبات أخرى مثل المؤتمرات السياسية وجلسات الصلح بين القبائل، غير أن شعره يزداد ألقًا ورهافة في غزلياته، إذ نلمح فيها رقة الغزل
الأندلسي وأبعاده الحضرية، فيما تقل كثيرًا مفردات البيئة الصحراوية، مجمل شعره يتسم بالجدة والطرافة والقدرة على نحت الصور والصياغات المميزة.
يقول إعجابا بمدينة انواكشوط التي كانت يوم الاستقلال قاعا صفصفا وتحولت في فترة وجيزة إلى مدينة عصرية
:
الله أكبر قد أحسنت يا باني :: بنيان أندلس أم أي بنيان
مختار يا باني الأوطان من عدم :: أجب سؤال دهيش الفكر حيران
أهذه إرم الفرقان تنشئها :: بناة جن بأمر من سليمان
أم قصر إشبيليا أيام زهرته :: ترنو له العين في حسن وإتقان
أم هي باريز في ريعان نهضتها :: تنحو حضارة نابليونها الثاني
يا حسنها طرقا سودا معبدة :: تمتد شرقا وغربا بين عمران
كأنما قطع الزاجات هندسها :: فنان رومة أو فنان يونان
تكاد تخطف بالأبصار لامعة :: كأنما طليت بزيت دهان
شكرا لماجدنا المختار سيدنا :: يخطو فينعشنا آنا ورا آن
أتى لمنطقة انواكشوط بائدة :: مسلوبة العيش في ضيق وأحزان
بالعزم عمرها نصحا وحضرها :: حقا فلا كاسل عنها ولا وان
فدتك نفسي من بان يرنحني :: بحسن وضع وأبراج وألوان
سقتك عاصمة الأوطان غادية :: بوابل من غمام الودق هتان
كم في نواحيك من نور العلوم وفي :: تلك المعاهد من حور وفتيان !
كان محمدي صديقا للرئيس المختار ولد داداه وكان المختار يجله، يقول في زيارة المختار لمدينة كيفه :
وطني المقدس ” موريتانيا ” أرضه :: وسماؤه من سنتي وكتابي
فخري به وبه غناي ونخوتي :: والرزق عند المالك الوهاب
أسعى لواجبه وأنبذ من سعى :: في أن يمس نظامه بخراب
وأنا العدو لمن يخون عهوده :: والمخلصون له هم أحبابي
لما دعاني للتكتل والإخا :: لبيته تلبية الإيجابي
بالشعر أرفعه وأبني مجده :: سط البناة الخلص الأنجاب
خاصمت دون كيانه بشراسة:: وأمطت عن وجه الحيا أنقابي
متمسكا بقناعتي كمواطن :: راج من الله المليك ثوابي
وعقيدتي إيمان كل مكافح :: سندي به وصوابه بصوابي
وتمردي عند الكفاح وعزتي :: بالمورتاني : طالب ونقابي
زملائي الأمناء إن أوصيتكم :: بوصية فلتنصتوا لخطابي
إياكم والحكم في أيديكم :: يا معشر الأعضاء والكتاب
ناشدتكم وطنا غنيا مثريا :: بهر الشعوب بحيرة الإعجاب
وبحق ما في أرضه من معدن :: ومزارع ومراتع وهضاب
لا تجعلوا خيراته نهب العدا :: وضحية الأجناب والألقاب
لا تتركوا سلطاته مرمية :: في قبضة الجهال والأذناب
أزميلي المختار – عش – لكنني :: لي حاجة يا معدن الآداب
باب العروبة دق في آذاننا :: بادر جزيت بفتح ذاك الباب
ونختم برائعته التي قالها عن رجوعه من المشرق إلى مسقط رأسه بلدية لبحير بعد تسعة أعوام من الغربة :
ألا يا بُحير الصفو واللهو والأنسِ ::عليك سلام الله يا وجنة الشمس
عليك سلام الله يا مرتع الصبا :: ويا مجمع الأحباب والأهل والجنس
وياثمرة الألباب ياروضة الهنا :: ويا مذهب الآلام في الروح والنفس
وياموقد الأشواق جئتك ثانيا :: ولكن برق الشيب يبدو على رأسي
ولم تسلني مصر و زهو نعيمها :: ولم ينسني منها سرير ولا كرسي
ولم تنسني سعدى ولا البين والنوى :: ولم أنس لا أنسى ولو كنت في رمسي
ملاعب للغزلان حول ربوعها :: كساها نسيج المزن بالورد والورس
شربنا مدام الحب فيها صبابة :: عهود صبانا الغض والكأس بالكأس
ليالي خود الحي يغرين بالهوى :: يواصلننا همسا ويبخلن باللمس
صبرنا وهاجرناك للشرق تسعة :: وآبت بنا ذكرى مواضيك بالأمس
وأُبنا بحمد لله في بارق المنى :: وكنا قبيل اليوم في حالك اليأس
تمتع فؤادي بالبحير وأهله :: فليس عليك اليوم ياقلب من بأس