في الثامن يونيو عام 2003 كانت المحاولة الإنقلابية في موريتانيا وفي اليوم الموالي زارني في المكتب صديقان عزيزان من علية أقرانهما ومن خيرة الناس.الزيارة كانت للتهنئة بمناسبة خروجي من السجن أسبوعا قبل ذلك وكانت أيضا فرصة لهما أن يطلبا مني المصاحبة في مسيرة هما جزء من منظميها في نواذيب للترحيب بالإنقلاب وإزالة نظام معاوية…….
كان صاحباي كسائر الشخصيات الحزبية كلما أعلن عن زيارة يقوم بها الرئيس معاوية لركن من أركان البلاد المترامية يسبقانه للمكان بيوم أو يومين ويحرصان أن توليهما الطواقم التلفزيونية العناية المطلوبة فيظهران بصور مكبرة وللحظات قدر إثارة الإنتباه فلا يفوت على صاحب السيادة أنهما في طليعة ركب المرحبين.
يعلم صاحباي أنني من المفترض أن لا أكن ودا كبيرا لنظام معاوية فلم أنل منه غير السجون والمضايقات ومن المفترض أن أكون أول من يرحب بخلعه وأن لا أتوقع ضررا من خلفه أكثر مما لحق بي منه…..
لكنني عكس ما كانا ينتظران مني اعتذرت لهما ودفعت بجملة من الأسباب من بينها أن التظاهرات عادة لا تستهويني كثيرا وهما يعرفان ذلك وأن المعارك ما تزالت مستمرة في نواكشوط وأن البلد برمته على كف عفريت ونصحتمها أن لا يكونا كمن يستجير من الرمضاء بالنار وحتى إن نجح الإنقلاب فإن استبدال عسكري بعسكري ليس مدعاة لأن يخرج الناس للشارع ولا أن يتظاهروا فلا المنقلب عليه كان يحمل برنامجا سياسيا منفورا ولا القادم آت بآخر مقبولا وإنما عسكري بعسكري ، شنشنة تعودناها منذ 1978 ولم تأت بأي خير…….
- رد علي أحدهما بسيل من الشتائم في حق الرئيس معاوية وأنه عمل بالبلاد والعباد كذا وكذا وأن الناس لم تعد تتحمل استمراره في السلطة.العلاقة بيننا تسمح بالكثير من المصارحة فصحبنتا مضت عليها عقود رغم أنني لم أنخرط يوما في الحزب الجمهوري وأنهما لم يخرجا منه منذ انتسبا إليه أياما قليلة بعد الإعلان عنه…..
رددت عليه بأن ذكٌَرته أنه كان من أشد المناصرين له وذكرته أنه كان يسبقه في ترحاله داخل البلاد وأنني أنصحه أن لا يكون أول من يبدل بدلته وأن يتريث حتى يسبقه آخرون وأنني أربأ بهما أن يكونا أول المرحبين بسقوط نظام كانا لغاية السابع من يونيو من أشد أنصاره وحوارييه.نظر إلي أحدها وتبسم ضاحكا وقال سأخبرك الحقيقة يا فلان أنا مع من يسكن القصر ولا يهمني من يكون فقلت له فلتنتظر إذن حتى تعرف من سيكون بالقصر…..
انتهى اللقاء في اليوم الموالي اتضح أن الرئيس معاوية قد أفشل محاولة الإنقلاب عليه وبدأت المسيرات تعم موريتانيا ترحيبا بالفوز الكبير والنصر على “المخربين” والتلفزيون الرسمي ينقل الفعاليات في نواكشوط ومختلف الولايات وكان لنواذيب نصيب كبير من تغطية التلفزيون فظهر صاحباي بصور مكبرة في طليعة المحتفلين……..
هي هذه الأزمة الحقيقة حين تختزل النخب أمة ووطنا في شخص وهذا من أهم أسباب فشل الدولة منذ أصبح للحشد دور في صناعة القرار والتظاهر مدرا للمنافع والصوت العالي بالمديح يفتح أبواب الجاه والنفوذ…..!!!!! الديمقراطية التمثيلية مفسدة حقيقية لأنها تشرك في شؤون الدولة من لا يؤمن بالدولة ولا يدرك قيمة العقد الإجتماعي بين المواطنين فلننظر لنموذج حكم خاص يضمن في المراحل الأولى أمرين ، حسن التدبير في استحصال الموارد وحسن التسيير في صرفها….لطفك اللهم بهذا البلد المنكوب من نخبه وساسته ومفكريه وعقلائه وأصحاب الرأي فيه…
الدكتور: محمد ولد الراظي